المشاهير والمهرجانات

غالية

بقلم نشوة أبوالوفا

الفصل الثاني

مادت بها الأرض فسندها مات، آخر من تبقى لها مات، صفعة أخرى من صفعات الحياة تتلقاها غالية،

انتهت مراسم الدفن وعزاء الشيخ وفور أن دخلت المنزل مع فتكات

“اسمعيني جيدًا في الصباح تأخذين ملابسك وتغادرينا لن أسمح بمكوثك بعد الآن عندي لقد قمت بواجبي معك وزيادة”

“إلى أين سأذهب بعد أن تركت السيدة نجوى؟!”

“لا شأن لي هذا لا يخصني”

في الصباح لملمت متاعها القليل ونزلت من المنزل لا تدري ماذا ستفعل؟ وإلى أين ستذهب؟

قادتها قدماها للسيدة نجوى طرقت الباب

التي ما أن رأتها حتى تهللت أساريرها “غالية! كنت حقًا أحتاجك جدًا لكني لم أعرف كيف أصل لكِ كنتُ على وشك استدعاء البواب عله يوصلني لكِ”

“أنا أيضًا بحاجة لمساعدتك سيدتي فلقد طردتني فتكات بعد وفاة الشيخ”

“لا يهم لقد وجدت لك عملًا”

“حقًا! الحمد لله”

“ألن تسألي أين؟”

“وهل هذا يهم أنتِ بالتأكيد لن توفري لي وظيفة إلا عند أناس طيبين”

“بالطبع أنتِ غالية عندي، ستعملين لدى الحاج صابر، إنه رجلٌ كبير في السن يقيم وحيدًا وستقيمين معه إقامة دائمة”

غالية (بتردد) “يعيش وحيدًا!”

“لا تخافي إنه رجل محترم، وعندما علم بظروفك وافق أن تظلي معه”

“موافقه هيا بنا”

“سأهاتفه وأخبره أنكِ جاهزة ليرسل السيارة لتوصلك للمزرعة”

هاتفت نجوى صابر، وطلبت من غالية أن يكون معها كل أوراقها الثبوتية، جاء عم رمضان السائق ليصحب غالية

في الطريق تكلم معها رمضان

وطمأنها أن الحاج رجل في غاية الاحترام ولن يحملها فوق طاقتها وأنه يعمل معه منذ مدة طويلة جدًا، وصلت غالية المزرعة!

جو يشبه ذلك الحلم الذي كانت تحلم به، لا ينقصه سوى الجواد

دخلت غالية الفيلا التي تتوسط المزرعة

أول ما لفت انتباهها صورة كبيرة في المدخل بالحجم الطبيعي لشابٍ، تسمرت غالية أمامه جذبتها تلك الصورة جدًا وتوقفت أمامها شابٌ أسمر وسيم مرتديًا حلة رسمية سوداء زادته جاذبية على جاذبيته، أسود الشعر والعينين أحست كأن الصورة تشدها ناحيتها، لقد سحرت به، جاءها الصوت

“إنه ابني الغالي حمزة”

التفتت لمصدر الصوت لتجد رجلًا خمسيني يغزو الشيب رأسه على استحياء على قدر كبير من الوسامة

“فليبارك الله فيه”

“وفيكِ يا صغيرة ما اسمك؟”

“غالية”

لا يدري صابر لماذا أحس أنه يعرف غالية، إنها تبدو مألوفة لديه

“هل ستقفين عندك؟ تعال اجلسي وحدثيني عن نفسك قليلًا”

فور أن جلست حتى دخل عليهم رجل مسرعًا

“إنها تلد يا حاج وترفض اقتراب الطبيب منها”

“سترك يا الله”

وقام مسرعًا

لا تدري غالية ما الذي دفعها للخروج في إثر صابر، وجدت نفسها تسير ورائه، اتجه صابر نحو الاسطبل ومن ورائه غالية

دخل صابر أحد البوكسات مخاطبًا الفرسة

“اهدئي، اهدئي”

كأن شيء ما يجذبها للداخل رغم ممانعة السائس أمره صابر بتركها تدخل

منظر غالية كان عجيبًا كأنها منومة مغناطيسيًا، دخلت البوكس فوجدت نفسها وجهًا لوجه مع تلك الفرس في حلمها،

فور أن رأتها الفرسة اتجهت ناحيتها، ربتت غالية على رأسها واحتضنتها

“اهدئي لا تخافي الطبيب سيفحصك فقط اهدئي”

فحص الطبيب الفرس وأمر غالية بالانصراف

فور أن اتجهت غالية للخارج حتى أعلنت الفرسة العصيان وكأنها غاضبه لرحيل غالية فنادى صابر على غالية

“ابقي معها يا غالية إنها تريدك”

جلست غالية بجوار الفرس واضعه رأس الفرس على قدميها مربتة عليها وظلت تربت عليها إلى أن ولدت مهرة

“سبحان الله لم أرها بهذا التوتر قبل الآن”

“اسمها سراب أليس كذلك”

فتح صابر عينيه اندهاشًا “كيف عرفتِ؟”

“لن تصدقني يا سيدي”

“بعد ما رأيت منها تجاهك أصدق أي شيء”

“أنا أرى هذه الفرس في أحلامي منذ مدة، يتكرر الحلم دائمًا وأنا على صهوتها وأسمع الاشجار والرياح يناديان اسم سراب”

“سبحان الله، اللقاء مقدر ومكتوب على جميع خلقه، والآن هيا بنا لنترك سراب ترتاح مع غالية الصغيرة”

“غالية الصغيرة!”

“طبعًا وهل أسميها بغير اسمك بعدما رأيت ما بينك وبين أمها سراب”

دخلت غالية وصابر الفيلا

جلست بجوار صابر

“أتمنى أن ترتاحي هنا في المزرعة معنا، كل ما يهمني الاحترام والانضباط في تأدية الاعمال، والآن احكِ لي عن نفسك وعن حياتك يا صغيرة”

حكت لصابر كل ما مرت به في حياتها وما واجهته مع أمها لكنها لم تحكِ شيئًا عن أبيها سوى أنه تركهما ولا تعرف له مكانًا

“اذن أنتِ متعلمه”

“نعم لقد نلتُ مجموعًا جيدًا في الثانوية، ثمانين في المائة”

“بالنسبة لظروفك فهذا إنجاز وأنا سأساعدك في إكمال تعليمك الجامعي”

أخذت تحمد الله وتشكر صابر

“بارك الله لك يا حاج”

“لماذا لم تروي لي ما حدث بينك وبين نادر؟”

“وكيف علمت؟”

“نجوى أخبرتني لتثبت لي أنكِ إنسانة محترمة”

“السيدة نجوى فليبارك الله في حياتها لها فضل كبير عليَّ وأحبها جدًا”

“وهي تحبكِ جدًا”

أخذها صابر في جولة بالفيلا كانت تتعجب وبينها وبين نفسها تتساءل كيف ستنظف هذا المكان يوميًا، كان صابر يراقب انفعالاتها ولاحظ أنها متعجبة من كبر المكان ففهم ما يدور بخلدها

“لا تحملي همًا يا صغيرة، أنا لست وحشًا لأدعك تنظفين المكان وحدك هناك فريق للنظافة يأتي اسبوعيًا، أنتِ مهمتك الطعام وأدويتي والترتيبات البسيطة، وترتيب غرفة المكتب”

دخلت غالية الغرفة التي ستقيم فيها

لم تصدق نفسها! هل هذه غرفتي التي سأبقى فيها؟ أنها أكبر من البدروم الذي كنت أسكنه مع أمي، واسعة، بها سرير كبير، تدخلها الشمس من شباك ضخم بمنتصف الحائط، ودولاب مخصص لي، وحمام لي وحدي، أنا أحلم يا ربي هل يعقل هذا؟! أحقًا ستريني الأيام وجهها المشرق أخيرًا، يا الله هل سأرتاح أم أن هذا حُلمٌ أعيشه؟

نامت لأول مره مرتاحة قريرة العين نامت كما لم تنم أبدًا.

استيقظت منذ الفجر كما تعودت كانت الفيلا هادئة فقررت الذهاب للإسطبل إلى سراب وغالية الصغيرة

بعد أن لاعبتهما قليلًا دخلت الفيلا لتجد الحاج صابر نازلًا على السلم

“صباح الخير يا صغيرة”

غالية (ضاحكة) “صباح النور سيدي أن سراب وغالية بخير وتلهوان سويًا”

“هل ألقيت عليهم تحية الصباح قبلي، يا لسعادتهما سأذهب أنا الآخر لأطمئن عليهما إلى أن تعدي الافطار في الحديقة”

عاد صابر ليجد الإفطار معد

“أتأمر بشيء آخر سيدي؟”

“هل تناولتِ إفطارك؟”

“ليس بعد سيدي”

“اجلسي وأفطري معي”

“لا يصح يا سيدي!”

“من قال لا يصح؟ ولا أريد سماع سيدي هذه مرة أخرى ناديني بالحاج أو أبي، اجلسي يا غالية واعتادي على هذا فأنا لا أحب تناول الطعام وحدي”

مرت الأيام على غالية في المزرعة في سعادة لم يسبق لها مثيل، الحاج صابر يعاملها أحسن معاملة، ترتب البيت وتقضي وقتها مع سراب وغالية، سراب لم تكن أبدًا لتسمح لأي أحد بامتطائها سوى حمزة لكنها سمحت بذلك لغالية، علمها حسونة السائس ركوب سراب فكانت تمتطي صهوتها وتسير بها رويدًا رويدًا إلى أن أجادت الركوب وأصبحت تعدو بها في المزرعة وكان صابر فرحًا جدًا بهما، أرسلها صابر مع رمضان السائق لتقدم أوراقها لتلتحق بالجامعة كليه آداب، وطالبه بمرافقتها ليشتري لها ملابس مناسبة،

شهران مرا عليها…

كانت تتعمد الاستيقاظ قبل الحاج لتقف أمام صورة حمزة تخاطبه يوميًا وتلقي عليه تحية الصباح، وتخاطب نفسها قائلة

“هل هذا هو الحب يا غالية؟ أنا أود ألا أتحرك من أمام الصورة أبدًا، هل سأراه يومًا؟ وإن رأيته ماذا أتوقع؟ لست إلا خادمة أفيقي يا غالية واعلمي أين تقفين ومن أنتِ؟”

كل يوم تزداد حبًا لحمزة من طريقة حديث والده عنه تذكر أول مرة أخبرها صابر أن حمزة يرسل لها السلام، كادت تطير من الفرحة.

في يوم ما كانت تمتطي سراب لتسمع صوت صفير عال وفجأة غيرت سراب طريقها وطارت ناحية الصوت وغالية تحاول إثنائها عن ذلك إلى أن وجدت نفسها أمام حمزة!

أمسك حمزة برأس سراب يقبلها ويحتضنها، غالية تسمرت على ظهر سراب غير مصدقة أن حمزة أمامها

“لم أصدق عندما أخبرني أبي أن سراب سمحت لك بامتطائها، غالية أليس هذا اسمك؟”

هزت غالية رأسها بنعم

“ما أعرفه أن لك بدلًا من اللسان ثلاثة فهل أكلت القطة لسانك؟”

غالية متلعثمة “أنا فقط”

“لم تكوني تتوقعين رؤيتي لقد حضرت فجأة”

“أجل”

“هل ستسمحين لي بركوب فرستي العزيزة أم ستظلين هكذا على صهوتها؟”

نزلت من على ظهر سراب، وامتطاها وانطلق

هرعت غالية للداخل

“هل قابلت حمزة يا غالية؟”

“نعم يا حاج”

“بالتأكيد امتطى سراب وطار”

“نعم”

“أعدي لنا الطعام إلى أن يصل”

جهزت غالية كل ما لذ وطاب، فهي تعرف جيدًا ما يحبه حمزة

مكرونة بالبشاميل، رقاق، جلاش بالجبنة، فراخ بانيه، بطاطس محمره، والحلو أم على وأرز باللبن في الفرن.

حضر حمزة وبدأت في تقديم الطعام

رصت غالية الطعام على السفرة جلس صابر وحمزة فاستدارت غالية لتغادر فقال صابر

“إلى أين يا صغيره؟”

“إلى المطبخ”

“اجلسي وتناولي الطعام كما اعتدنا حمزة ليس بغريب”

“ولكن!”

ابتسم لها حمزة “هل أنت خجلة مني يا غالية؟ اجلسي لا تخجلي”

ثم أردف “إن غالية أصبحت بارعة الحسن وكبرت”

صابر وهو يرى خجل غالية “لا تخجلي إنه يقصد المهرة غالية”

وضحك صابر وحمزة.

أمضى حمزة ثلاثة أيام في المزرعة كانت غالية في تلك الأيام غاية في الاشراق والحيوية، لاحظ صابر ذلك، حمزة كان يحس بانجذاب يزداد بينه وبين غالية ولكنه كان يكذب نفسه.

فهل سأحب الخادمة؟ أفق يا حمزة، لكني حقًا أحس بانجذاب شديد لها، أنا أريدها لي!

استيقظ مبكرًا وذهب لسراب وغالية الصغيرة ليجد غالية هناك تحتضن سراب وتهمس لها بكلمات

“هل تتفقان عليَّ؟”

غالية(ضاحكة) “وهل نقدر على ذلك؟”

ثم خجلت من قولها واستأذنت منه

“أعدي حقيبتي يا غالية فسأغادر بعد قليل”

تغيرت ملامح وجهها وسادها الحزن

“حسنًا”

دخلت غالية الفيلا لتجد صابر

“صباح الخير يا صغيرة”

“صباح الخير”

“ما بكِ هل تحسين بالمرض؟”

“لا أنا بخير”

“سيسافر حمزة اليوم أعدي حقيبته”

“لقد علمت وأنا صاعدة لأعدها”

علم صابر سبب تغير ملامح غالية

صعدت غالية لترتب حقيبة حمزة وهي تبكي، غادر حمزة وتصنعت غالية المرض لتبقى في غرفتها تبكي فراق حمزة إلى الصباح.

تماسكت غالية واستيقظت لتعيش روتينها في الفيلا والمزرعة تنهي أعمالها ثم تذهب لسراب تبثها حزنها على مغادره حمزة وتصارحها بأنها تعلم أنه لن يكون لها لكنها لا تستطيع منع نفسها من حبه.

قال صابر على الغذاء ملاحظًا كيف فقدت غالية شهيتها وخسرت بعضا من وزنها

“هل ستظلين هكذا؟ أنتِ لم تعودي تأكلين جيدًا هل ستمرضين أنت الأخرى؟”

“ومن مرض أيضًا؟”

“حمزة مريض”

“هيا نذهب له ” ثم تداركت نفسها “أقصد هل سنتركه وحده؟ من سيعتني به؟ أقصد أن …”

صابر (بأسى)”أنا أعلم ما تقصدين يا غالية! أعلم ما تقصدين!”

أحس بها تجاهد دموعها لتمنعها من النزول فأذن لها بالانصراف.

#نشوة_أبوالوفا #nashwa_aboalwafa

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى