الثقافة العامة

“الإلحاد الإلكتروني: الوهم الذي يخشاه النظام”

بقلم: أمنية المنياوي

 

في الوقت الذي تُغتصب فيه حقوق النساء في شوارع مكتظة بالتحرش،

وتُدفن فيه القضايا الحقيقية تحت ركام الصمت المجتمعي،

يطل علينا فجأة مشروع جديد لمواجهة ما أُطلق عليه “الإلحاد الإلكتروني”.

مبادرة، ظاهرها حماية العقيدة، وباطنها محاولة مكشوفة للسيطرة على العقول الحرة،

وتكميم أي صوت يرفض الخضوع لعقيدة مفروضة أو فكر مؤدلج.

 

من المدهش أن يُقدَّم الإلحاد وكأنه تهديد أمني، في حين أن الدستور المصري نفسه، في مادته (64)، ينص على:

 

> “حرية العقيدة مطلقة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الديانات السماوية على النحو الذي ينظمه القانون.”

 

 

 

فمن أين أتى التهديد إذًا؟ هل صار الفكر جريمة؟ أم أن الخوف الحقيقي هو من المواطن الذي يُفكر بحرية؟!

 

الشخص الملحد، سواء اتفقت معه أو اختلفت، هو في نهاية المطاف إنسان حرّ.

لا ينتظر وصاية من أحد، ولا يُدار بعصا التخويف الديني أو المزايدة الأخلاقية. وهنا يكمن جوهر الأزمة: فالدولة، كما يبدو،

لا تخشى الإلحاد كفكرة، بل تخشى من لا يمكن السيطرة عليه!

 

في الوقت الذي كان يجب أن تُوجّه فيه الموارد لحماية النساء من ظواهر التحرش اليومي،

أو دعم الشباب بمشاريع فعلية تبني لا تهدم، نجد من يتصدر المشهد ليحارب “أفكارًا إلكترونية”.

بينما الفقر ينتشر، والبطالة تنخر في العظام، والخدمات تتآكل،

يتم تسويق معركة “الوهم المقدس” وكأنها المعركة المصيرية.

 

ثم نأتي إلى المادة (65) من الدستور المصري التي تنص على:

 

> “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.”

 

 

 

فهل بات الدستور ديكورًا؟ أم أن النصوص تُستخدم فقط عندما تخدم الرواية الرسمية؟

 

إن ما نراه ليس إلا محاولة فاشلة جديدة لإعادة إنتاج خطاب “الدروشة”،

حيث الدين يُستخدم كأداة لتسكين الألم، لا علاجه. أدوات التخدير تغيّرت، فقط لأنها صارت رقمية.

 

وللأسف، فإن التركيز على “الحرية العقائدية” باعتبارها خطرًا، في حين تُنتهك أجساد النساء وأحلام الشباب بلا حماية أو دعم،

لا يُعد فقط تجاهلًا للواقع، بل هو اعتداء صريح على أولويات هذا الوطن.

 

نحن لا ندافع عن الإلحاد، بل ندافع عن حرية العقل. فكر كما تشاء، آمن بما تريد،

فقط لا تسمح لأحد أن يُملي عليك ما تؤمن به، تحت ستار الوطنية أو الدين.

 

وهنا تكمن الحقيقة المؤلمة: الخوف ليس من “الإلحاد الإلكتروني”، بل من العقل الإلكتروني،

من الإنسان الذي يُفكر ويتساءل، من المواطن الذي لا يُقاد إلا بقناعته، لا بخطبة جمعة مكتوبة مسبقًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى