الادب والقصه

امل الفصل الثاني

بقلم /نشوة ابو الوفا

الفصل الثاني
توقفت أمل عن القفز وكسى الوجوم وجه أمها، كادت أمل أن تتكلم و تخرج عن صمتها الأبدي لتصرخ معترضة على ظلم والدها وجبروته في حقها
لكن ضغطة قوية من يد والدتها أسكتتها ونظرتها كان معناها ادخلي لغرفتك حالًا، دخلت أمل لغرفتها تجر أذيال كسرتها وتحطيم أحلامها ألقت بنفسها على السرير محتضنة وسادتها، مطلقة العنان لدموعها ودفنت رأسها في الوسادة وفكت أسر أحبالها الصوتية وجادت بالصراخ المكتوم.
اقتربت أم هاشم من عبد الجبار تبتلع الغصة التي وقفت بحلقها عند سماعها لما قاله
“مين يا حاج اللي هينكتب عليها النهارده أمل بنتي؟!”
نظر لها شذرًا “خير هو إنتي عندك غيرها؟ إيه يا أم البت عاوزاني آخذ منك الإذن قبل ما أجوزها؟ ليه خير إن شاء الله؟!”
اقتربت منه تحاول أن تستعطفه ” ما قلتش إذن، ربنا يخليك لينا،
بس مش تعرفنا، كده على طول كتب كتاب والنهارده”
ابتعد عنها “الباشمهندس مكلمني ومتفق معايا من زمان من يوم العزومه من ساعة ما شافها وهي بتكلم العمده وهي عجبته، وإيه بقى! راجل خواجاتي هيعجبك إنت وبنتك ناوي يخليها تكمل تعليمها وهيسفرها بلاد بره كمان، يعني مش هتكمل علامها هنا، ياكش يطمر فيكِ وفيها، بوسي ايدك إني وافقت ، لولا إني عاوز أخلص منها لتجيبلي العار ما كنتش ريحتكم الراحة دي أبدًا”
تلك الكلمات التي اقتحمت أذنها كانت كفيلة ببعث الراحة في قلبها، أحقًا ستحقق ابنتي حلمها وتكمل تعليمها؟!
أحقًا ستسافر لتتعلم؟! الحمد لك يا الله.
اقتربت منه وقبلت رأسه “ربنا ما يحرمنا منك يا حاج”
هرولت مسرعة نحو غرفة ابنتها بينما هو يقول “المأذون جاي المغرب، والعريس جايب الحاجه الساقعه معاه والجاتو للرجاله”
دخلت غرفة ابنتها لتجدها تبكي محتضنة وسادتها فاقتربت منها وأبعدت الوسادة واحتضنتها بسرور
“ما تعيطيش، ربنا هيحققلك كل اللي نفسك فيه، العريس اسكندراني، هتشوفي البحر زي ما كنتي بتتمني، وباشمهندس متعلم ودماغه منوره، واسمعي دي بقى، هيخليكي تكملي تعليمك”
اكتست ملامحها بالفرح ومسحت دموعها بسرعة غير مصدقة
“بجد يا ماما!”
احتضنتها بقوة “جد الجد يا قلب ماما، ربنا يسعدك ويكتب لك الخير ويكون قدم السعد عليكي يا رب، لا ومش هتكمليه هنا، هتكمليه بره مصر في أمريكا، قومي كده بقى فرفشي وشوفي هتلبسي ايه تقابلي بيه عريسك بالليل المأذون جاي المغرب”
قبل المغرب ومع انتشار الخبر توافدت الفتيات للمنزل وصدحت الزغاريد وقمن بتشغيل الأغاني وارتدت أمل عباية استقبال بلون عاجي مطرزه بالخرز الذهبي وعلى الوسط حزام يعانق خصرها وحجاب باللون العاجي يغطي شعرها الأسود الذي قامت الفتيات بعملية تصفيفه وكيه ليصبح ناعمًا.
بعد صلاة المغرب جاء المأذون وبدأ في إجراءات العقد وأخذ موافقتها على العريس، وتم العقد وتعالت الزغاريد وطالب عبد الجبار بأن تخرج أمل ليقلدها عريسها هديته لها من الذهب.
خرجت أمل وهي لا تعلم شكل عريسها لتجد رجلان يجلسان بجوار بعضهما، ذلك الأسمر الذي تلاقت عيناها بعيناه وذلك الأبيض لكنه لم يكن من قام عند دخولها بل ذلك الأبيض الذي اقترب
منها اقترب منها هشام “ألف مبروك يا ست البنات” وأمسك رأسها
ليقبل جبينها، فجفلت منه وابتعدت فضحك ووجه الكلام لذلك الأسمر
“شفت يا صلاح ، مش قلت لك بنوته خام، ما تعرفش حاجه، أهي اتكسفت عشان عاوز أبوس جبينها، تعال سلم على مرات أخوك”
اقترب صلاح ملاحظًا أنها تبادل النظر بينهما فضحك هشام
“إيه مالك مستغربه؟ بتقولي ازاي ده أخو ده؟ أقولك أنا، أصل أنا طالع أبيضاني وحليوه لجدي أبو أمي الإسكندراني اللي أصله إيطالي، إنما الخنشور ده طالع لجدي أبو أبويا وخد الأصل الصعيدي كله”
وأمسك يدها فجفلت وابتعدت فعاد للضحك ونادى على أم هاشم
“تعالي يا حماتي لبسي العروسه الشبكه لغاية ما نتعود على بعض”
قلدتها والدتها الأساور والسلسال
وقال هشام “أنا عارف إن التلفزيون هيستضيفك بكره، ودي حاجه تشرفني بس للأسف أنا مش فاضي بس مش هاحرمك إنك تروحي، صلاح هيجي
يآخدك إنتي وماما الحاجه هتروحي المقابله وبعدين هتروحي معاه يشتري لك الدبله ويشتري دبلتي أنا كمان، إحنا مقاسنا زي بعض، وبالليل هلبسهالك”
انصرف الكل وبقى هشام في الغرفة جالسًا وحاولت أمل المغادرة لكن نظرة آمرة من والدها جعلتها تتسمر في مكانها، غادرهما عبد الجبار
“اقعد مع عروستك شويه يا باشمهندس”
ظلت أمل جالسة على طرف الأريكة فاقترب منها هشام
“ألف مبروك يا عروسه” وأمسك رأسها بقوة لئلا تفلت منه وقبلها حاولت التملص لكنه كان أقوى وضحك
“معلش بكره هتتعودي على كده، أنا عارف إن أبوكِ صعب
ومشدد عليكي قوي، صدقيني معايا حياتك هتتغير، لا هتتقلب، كلها أيام وهتشوفي، أظن أبوكِ عمره ما كان هيوديكي التلفزيون ولا هيخليكي تكملي التعليم أصلًا، هو ما صدق يخلص منك، وأنا ريحته على الآخر واتكفلت بكل حاجه”
صدمتها كلماته، لكنها الحقيقة ونظر لحجابها “إيه مش حرانه ما حدش هنا غيرنا إقعلي الحجاب”
ترددت فضحك وهو يخلعه عنها “أنا جوزك يا أمل إقلعي”
نظر لشعرها وضحك “شعرك مش ناعم صح؟ باين قوي إنه مكوي، طب كنتي إكويه كويس ولا يهمك هاعملهولك بروتين”
نظرت له بتحد “لو عليه ما كنتش عملت فيه حاجه، البنات وماما اللي صمموا أكويه، وأنا زي ما إنت عرفت ما باقولش لا، أنا باحبه كده كيرلي، ده بيتدفع فيه فلوس عشان يبقى كده، إنت ما شفتش شعر مريام فارس”
ضحك بصوت عال “إنتِ تعرفي الكيرلي ومريام فارس”
استفزتها الجملة، فنظرت له بتحد “إنت فاهم إيه بالضبط أنا مثقفه جدًا وأعرف حاجات كتير، ربنا يخلي الحاجه أزهار كانت بتجيب لي كتب, وأعتقد إن الدنيا كلها عندها تلفزيون”
ضحك مقتربًا منها “يعني عارفه كل حاجه!” و اقترب أكثر
حتى جعلها تلتصق بمسند الأريكة ووضع ذراعيه حولها محتضنًا إياها، تملصت منه ووقفت بعيدًا “ما يصحش كده يا باشمهندس”
التقت نظراتهما مع صمت طويل ليقطع هذه النظرات بقوله
“أنا ماشي، صلاح هيجيلكم الصبح سلام”
وغادر وبينما هي في طريقها لغرفتها مرت من أمام والدها الجالس بالصالة
” إيه يا وش البوم لحقتي طفشتيه، البشمهندس ما كملش ربع ساعه معاكي، سرك باتع، وشك فقر”
ردت بكسرة وحسرة من تلك الكلمات المنطلقة كالرصاصات الحارقة المخترقة لقلبها ممن يفترض أن يكون أحن الناس عليها
“هو اللي عنده شغل بدري, وقال يسيبني أنام وارتاح عشان مشوار بكره”
ليزفر والدها “آه وهتطلعيلي في التلفزيون بقى زي الرقاصات، بس يالا أنا مالي! خلاص إنت في رقبته يشيل الليله، امشي من وشي، ربنا يعدي اليومين اللي فاضلين لك هنا دول على خير خليني اخلص”
لينادي على والدتها “إنتي يا حاجه فين العشا؟”
“حاضر يا أخويا خلاص أهو، يا أمل تعالي يا قلبي عشان تتعشي”
بعد تناول العشاء ومساعدة والدتها في غسيل الأطباق دخلت أمل غرفتها، تنسج أحلام أيامها القادمة، وهي تدعو الله بقلب أضنته قسوة والدها عليها، بأن يكون هشام صادقًا فيما يقوله، وألا تكون وعوده لها أوهامًا وسرابًا.
في الصباح ……
استعدتا للمقابلة وارتدت أمل جيب سوداء وبلوزه بيضاء وطرحه سوداء،
أعلنت أبواق السيارة وصول صلاح فدعاه عبد الجبار للداخل وقامت أمل بإعداد النسكافيه له وتقديمه له وهي مبتسمه.
ركبت ووالدتها السيارة وانطلقوا كان صلاح يجاذب أمل ووالدتها أطراف الحديث ليسري عنهم وبعد مقابلة التلفزيون اصطحب أمل لشراء دبلتها الذهبية ودبلة أخيه التي صدمت أمل حين علمت أنه سيشتريها من الذهب
“بس يا أستاذ صلاح الدهب للرجاله حرام، إنت ما تعرفش؟”
ابتسم صلاح ” لا عارف، وأنا لما اتجوزت دبلتي كانت فضه، بس أعمل إيه في هشام ربنا يهديه”
نظرت له “حضرتك متجوز! أومال مراتك ما جاتش معاك كتب الكتاب ليه؟”
رد بأسى “ربنا يرحمها، ماتت من سنه هي وبنتي في حادثه”
عقبت والدتها “ربنا يصبرك يا ابني ويعوضك خير”
أخذهما لشراء لوازم الفرح والفستان ومتطلبات لأمل من ملابس وأحذية وحقائب مناسبة لمعيشتها الجديدة وتليق بكونها زوجة للباشمهندس هشام، حتى غربت الشمس وعادوا للكفر محملين بالأكياس الكثيرة وما أن رآهم عبد الجبار
“يا أهلًا يا أهلًا، كل دي حاجات يا بنت المحظوظه!”
ابتسم صلاح “ما يجيش من مقام أمل يا حاج، بعد إذنك عاوزين بكره نسافر إسكندريه، عشان نشتري لها باقي الحاجات”
“وماله سافروا، بالسلامه”
“بس يا حاج مش هنلحق نخلص الطلبات في يوم ونرجع صد رد محتاجين حضرتك تيجي معانا عشان تنورونا كام يوم، لغاية ما نخلص الطلبات، وأهو بالمره عروستنا تشوف شقتها وتشوف عاوزه تغير فيها إيه؟ هشام مستعجل وعاوز يعمل الفرح بسرعه”
حك عبد الجبار رأسه “نبات كام يوم عشان نخلص، ماشي يا أستاذ صلاح”
ونظر لأمل راسمًا الضيق على وجهه
“مدوخانا كده على طول وجايبه لنا التعب”
تضايق صلاح من طريقة عبد الجبار مع أمل فأردف
محاولًا التخفيف
“تعيش و تتعب لها يا حاج ، يالا سلام عليكم”
اعترض عبد الجبار “يمين طلاق بالتلاته ما يحصل، إيه عاوز تمشي كده وإنت جاي كده كده بكره الصبح تآخدنا يبقى ليه الشحططه ؟ إنت هتبات هنا ونمشي الصبح كلنا مع بعض”
ابتسم صلاح “اللي تشوفه يا حاج حاضر”
دخل صلاح للمنزل، ونادى عبد الجبار على أمل
“العشا لعمك يا بت”
اعترض صلاح “لا عشا إيه؟ الحمد لله احنا اتعشينا، محتاج أنام بس عشان ارتاح”
“ماشي يا أستاذ، هاتي يا أمل جلابيه لعمك ينام فيها”
الكلمة طرقت أذن صلاح مرة أخرى فتساءل “عمها مين؟”
ضحك عبد الجبار “إنت يا أستاذ، عندنا بنقول على أخو الزوج عم، إنت دلوقتي عمها”
ناولته أمل الجلباب “لو ممكن يا عمي تجيب غيارك أغسله ليك إنت لابسه من الصبح”
شكرها وبدل ملابسه وغط الجميع في نوم عميق من التعب والإجهاد في ذلك اليوم.
استيقظ الجميع لصلاة الفجر وبعد الصلاة تناولوا الإفطار
وجهزوا ما يحتاجونه للسفر وانطلقوا على بركة الله
حلمي يا حلمي
جيالك اجري
خدني في حضنك يا بحر
اغسل همومي زي السحر
يا تري اللي جاي فرح
و إلا اللي جاي جرح
يا رب يا عالم باللي في قلبي
نفسي في إيد تطبطب على قلبي
بدل اللي كسر قلبي
كان نفسي يكون جمبي
أبويا، عزوتي، سندي
لكن يا حسرة قلبي
هو اللي جارحني
هو اللي كاسرني
كانت هذه الكلمات تجول في خاطر أمل في الطريق، تتساءل عما هي مقدمة عليه ، كانت تخشى من هشام، تحسه غريبًا عنها، خائفة، مترقبة للقادم، قلبها غير مطمئن بالمرة رغم إسهاب والدتها في الحديث عن هشام ومميزاته، خاصة حين علمت أن هشام سيأخذها معه للخارج تصاحبه في بعثته وتكمل دراستها هناك، لم يخلو الطريق من مسامرات صلاح للجميع، فقد كان خفيف الظل، مرحًا ، رغم الحزن المرتسم في عينيه.
وصلوا للإسكندرية، هواء القمقم المتوسطي يقابلهم مغلفًا إياهم برائحة البحر، تشهق أمل لتأخذ أكبر قدر من الأكسجين البحري، تود لو تحبسه في رئتيها ولا تخرجه، ها هو يقترب، إنها تراه.
تهللت فرحًا
“أهو يا ماما، البحر أهو”
نهرها عبد الجبار “ما تتلمي واقعدي، إيه شغل العيال ده”
ابتسم صلاح لفرحتها وتجاهل تعليق عبد الجبار “سيبها يا حاج، ما هي صغيره برضه، اطمني يا أمل النهارده راحه وبحر، مش هنشتري أي حاجه إلا لما تشوفي البحر، اطمني”
خرجت منها بكل تلقائية “ربنا ما يحرمني منك يا عمي، ويجعلك من جابرين الخاطر”
وصلوا للمنزل، منزل من طابقين فتح صلاح بوابة المنزل لتجد أمل حديقة بسيطة، تخلب الألباب، بها أصناف من الورد البلدي وبضعة مزروعات، واضح أنها تنال عناية جمة، وأرجوحة متوسطة تتسع لفردين وأمامها طاولة وثلاثة كراسي من البامبو الأسود.
أبدت أمل إعجابها الشديد بالحديقة، وكادت أن تطير من سعادتها حين رأت الأرجوحة.
أحس صلاح بها فقال مبتسمًا
“اطلعوا بس ارتاحوا من المشوار والغدا هنا في الجو الجميل ده نص ساعه ويكون الأكل وصل أنا موصي عليه”
رد عبد الجبار “والله لولا إنك موصي ما كناش كلنا من بره هيجرالهم إيه يعني يدخلوا يطبخوا”
ربت صلاح على كتفه “لا يا حاج معلش بقى، إتعود اليومين دول على الأكل من بره، أمل والست الحاجه أم هاشم في أجازه اليومين دول”
لم يعجبه الحديث لكنه مجبر على القبول “ماشي يا أستاذ صلاح ماشي”
فتح لهم صلاح باب الشقة بالدور الأول
“دي شقتي أنا، اللي فوق شقة هشام، بس طبعًا هي
مكركبه، وهو ما بيقعدش فيها كتير، فالأفضل تقعدوا هنا، المكان هنا أنظف، وأنا وهشام هننام فوق، عشان تبقوا براحتكم”
انبرى عبد الجبار “أمل وأمها يطلعوا ينظفولك الشقه فوق، ماهي هتبقى شقتها برضه”
اعترض صلاح “ينظفوا إيه يا حاج؟! لا ما أرضاش أتعبهم، فيه ست بتيجي كل أسبوعين تنظف فوق ومرتين في الاسبوع هنا، وهي ميعادها بكره، بعد ما تنظفها تنورها أمل والست الحاجه ويتفرجوا عليها”
امتعض عبد الجبار “يالا كنت عاوز أوفر لك”
ابتسم صلاح “تسلم يا حاج، إحنا اللي يهمنا راحه ست الصبايا وست الكل، وإلا أنا مش في مقام ابنك يا حاجه؟”
ردت أم هاشم والدموع تترقرق في عينيها من سعادتها بطريقة صلاح وذوقه في التعامل وحرصه على راحتها وراحة ابنتها
“يوه مش في مقام ابني ازاي؟ ربنا يسعدك يا رب ويكتبلك الخير يا صلاح يا ابن …، إلا الست الوالده اسمها إيه؟”
ضحك “اسمها دريه”
فرفعت كفيها تدعو له من قلبها “روح يا صلاح يا ابن دريه،
ربنا يفتح في وشك أبواب الرزق المقفوله، ويرزقك الخير من حيث لا تعلم ولا تدري، ويحبب فيك خلقه، ويجعلك من جابرين الخاطر يا ابني، ويعوضك كل خير”
كاد صلاح أن يبكي مما لمسه من صدق مشاعرها “ربنا ما يحرمني منك أبدا يا حاجه ولا من دعواتك الحلوه دي، ادعي لهشام كمان يا حاجه”
شقت الدعوة سطح لسانها بعد أن عبرت قلبها
“يصلح حالك يا هشام يا ابن دريه قادر يا كريم”
و خرج صلاح ليتركهم ليرتاحوا قليلا قبل وصول الطعام
ما أن خرج
حتى قال عبد الجبار “آه يا بنت المحظوظه، واخدينك هو وأخوه على
كفوف الراحه، على إيه يعني؟ أومال لو كنتي حلوه؟”
احتضنت أم هاشم ابنتها “ربنا يعوضها كل خير، بنتي تستاهل”
تندر عبد الجبار “تستاهل! طب خلصينا عاوز أفرد جسمي شويه وآخد دش قبل الغدا”
بعد ثلاثة أرباع الساعة رن جرس الباب فتحت أم هاشم لتجده هشام
رحبت به ورحب بها وطلب منهم النزول لتناول الطعام، نادت أم هاشم على أمل فلم تجد ردًا، ذهبت لباب الغرفة وفتحته لتجدها تصلي،
نادت على هشام
“أمل لسه بتصلي يا ابني”
رد “خلاص يا حاجه إنزلوا إنتم وأنا هستناها”
ونظر لعبد الجبار “وإلا فيه اعتراض يا حاج؟”
تندر عبد الجبار “اعتراض على إيه؟ اشبع بيها” وضحك
بعد نزولهما أراد هشام أن يسمع بم ستدعو في صلاتها فقال بصوت تعمد أن يكون مرتفعًا “أنا نازل يا أمل خلصي صلاه وحصلينا”
وقف هشام ينظر لها وهي تصلي من زاوية لا تستطيع رؤيته منها، رفعت كفيها تدعو الله
“يا رب ما تخليهوش يكسرني هو كمان ، يا رب يكون حنين عليا”
أنهت صلاتها وخلعت الاسدال، وتناثرت تلك الخصلات السوداء في تبعثر، وقفت أمام المرآه لتمشطها وتأسرها برباط؛ لتتفاجأ بهشام أمام الباب
“أنا قلت آجي استعجلك” واقترب منها وأمسك رباط شعرها وجذبه فانفلت الشعر بحرية ووضع يده بين طيات الخصلات الغجريه ينثرها أكثر بينما أغمضت هي عينيها بتأثير لمسته.
فضحك “عندك حق شعرك كده أحلى بكثير”
ثم أدارها لتواجه المرآة وأمسك بالفرشاة ومشط شعرها بروية، بينما هي تحاول السيطرة على توترها، وربط شعرها وأدارها له
“تلبسي الطرحه وننزل بقى”
تنفست الصعداء وارتدت حجابها بينما هو ينظر لها مسرورًا بحيائها وتوترها حين يقترب منها وهما علي السلم قالت له
“هشام ممكن أقولك على حاجه مضايقاني، ولو فيه إمكان تنفذها”
اقترب منها “قولي”
أبعدته عنها برفق “بس إبعد عشان أعرف اتكلم”
ابتسم وابتعد
“ممكن دبلتك الدهب تغيرها لفضة من فضلك، عشان ده حرام، وأنا ما أرضاش إنك تعمل حاجه حرام”
اقترب منها وقبل رأسها “حاضر يا ست الصبايا، ننزل بقى”
بعد الطعام، طلب منهم صلاح الاستعداد للخروج، واعتذر هشام بانشغاله ووعدهم أنه سيأتي في المساء.
جلسوا في أحد الأماكن المنتشرة على الشاطئ، ولب أمل مأخوذ كلية بالبحر، بعد فترة استأذن عبد الجبار لدخول دورة المياه
فتنحنحت أمل “ممكن اسأل سؤال؟”
رد صلاح “اتفضلي يا أمل”
“لو أمكن يعني نقرب من المياه، نفسي ألمسها وأحس بيها كده”
ضحك صلاح “وهتنزليها كمان”
نظرت له غير مصدقة “بتقول إيه هانزل البحر! طب احلف”
“والله”
“ده أبويا كان دبحني”
نظرت حولها بتوجس وهي تقولها
تضايق “يدبح إيه هو إنت فرخه؟ بالليل هنشتري ليكي مايوه محجبات، والفجر هنروح شط هادي وهتنزلي براحتك، معلش يعني اللي ليه كلمة عليكي هو هشام، وهشام هيكون معانا”
ردت أم هاشم “ربنا يحميك يا ابني”
بعد مجيء عبد الجبار بقليل وتناوله القهوة
قال صلاح “ها يا حاج عندك مايوه وإلا إنت ما بتنزلش البحر”
استنكر عبد الجبار “مايوه إيه بلا قلة قيمة، طبعًا ما بانزلش”
كان الرد متوقعًا “يبقى خلاص بقى إنت اتفرج وأنا وهشام والجماعه هننزل”
ضيق عبد الجبار عينيه “لا، هشام ليه في أمل وبس هو حر فيها إنما أم هاشم لا يمكن تنزل البحر أبدًا، بلاش مسخره”
جاء هشام وانفرد بأمل على طاولة مجاوره
أبدى هشام إعجابه بذوق الدبلة الخاصة بها “ما كنتش عارف أن ذوقك عالي كده، وكمان اللبس اللي اشتريته، رائع، صلاح صوره كله”
فاجئته بسؤال “اشمعن أنا يا هشام؟”
ضحك “أقولك، عمليًا أنا باحسبها بعقلي فشوفي يا ستي، حسيت أني بانقذك من أبوكِ، يعني هتفضلي عمرك كله شايلالي الجميل ده، وإنت هترضي بقليلك زي ما بيقولوا، وعشان عارف إن أمنية حياتك تكملي تعليمك وده هأسمح لك بيه عشان عاوزك تشرفيني؛ فهتكوني ممتنه ليا طول عمرك، من الآخر ضامنك في أي حاجه”
نظرت له وقلبها يحس بوجود خطب ما “ماشي”

في الفجر ومع إشراقة الخيوط الأولى للشمس توجهوا للبحر، كانت أمل تتطلع للقاء البحر و لمس المياه كطفل صغير يختبر أولى خطواته، ما أن عانقت قدماها الرمال المبتلة بفعل المد و الجزر، حتى أصبحت ضحكاتها تعلو في مرح طفولي، أخذت تضرب الرمال والمياه بقدميها
نظر لها هشام في سرور “إيه هتلعبي على البر بس؟”
ردت بخوف “خايفه يا هشام، نفسي أنزل وخايف”
تدخل صلاح بالكلام “خايفه ليه؟ معاكي اتنين أستاذه عوم في المالح”
ضحك هشام ” أيوه أنا البروفيسور هشام، بروفسيور السباحه يا هانم”
انفجروا في الضحك، مد هشام يده لأمل فنظرت له نظرة مطولة ثم مدت يدها تلمس يده، فضغط على يدها، وشدها مقتحمًا بها عباب المياه، تضحك تارة وتصرخ تارة أخرى حين يرتطم بها الموج، حتى وصل الماء لمنتصف فخذيها فصاحت “خلاص يا هشام كفايه هاغرق”
انفجر صلاح الواقف بجوارهما في الضحك “هتغرقي على البر!”
أمسك هشام يديها الاثنتين وأخذ يسحبها داخل المياه حتى وصل الماء لرقبتها وهي تصرخ تارة وتضحك تارة أخرى
وفجأة أخذت تصرخ
“ما فيش رمل تحت رجلي الحقني يا هشام هاغرق”
أمسك بها جيدًا وقادها لمنطقة أخرى أقل عمقًا واستمرت تلعب في الماء وصلاح وهشام يلعبان سويًا ويرشان الماء عليها، أو يختفيان من جوارها فتصرخ باحثة عنهما،.
أما عبد الجبار فكان يجلس متبرمًا على الشاطئ غير راضٍ عن هذا الانفلات، أما أم هاشم فتناست وجوده واستمتعت بمنظر الرمال والبحر
ومر اليوم، في نهاية اليوم اقتربت أمل من هشام “لو ما قدمتش ليا في حياتي معاك حاجه تانيه غير اليوم ده فصدقني أنا مبسوطه جدًا، وفعلًا أنا هافضل ممنونه ليك العمر كله”
ابتسم قائلًا ” يا ريت يكون كلامك صح”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى