المشاهير والمهرجانات

تحذيرات من انتقال “الفوضى الحدودية” إلى النمسا

هاله المغاورى فيينا

 

في ظل تصاعد الجدل السياسي والمجتمعي حول ملف اللجوء في عدد من الدول الأوروبية، شهدت هولندا خلال الأيام الماضية تطورًا لافتًا تمثّل في قيام مواطنين بتصرفات فردية عند الحدود، حيث أجروا نقاط تفتيش غير رسمية لمنع دخول طالبي اللجوء من ألمانيا.

هذه الواقعة أعادت إلى الواجهة مخاوف عدة في النمسا، التي تواجه أجواء سياسية متوترة هي الأخرى، وتستعد لاستحقاقات انتخابية تشهد تصاعدًا في الخطابات المناهضة للهجرة.

ورغم أن السلطات النمساوية تؤكد التزامها الكامل بسيادة القانون ورفضها القاطع لأي تصرفات خارجة عن الإطار الرسمي، إلا أن تسارع الأحداث إقليميًا يفرض ضرورة طرح تساؤل جاد: هل يمكن أن تنتقل عدوى “التحرك الشعبي خارج القانون” إلى الداخل النمساوي؟

ففي سابقة خطيرة، أقدم مجموعة من المواطنين الهولنديين يوم السبت الماضي على تنظيم نقاط تفتيش غير قانونية على الطريق السريع المؤدي من مدينة هارن الألمانية إلى مركز استقبال اللاجئين في “تير أبل” داخل الأراضي الهولندية.

المشاركون ارتدوا سترات فسفورية واستخدموا مصابيح يدوية لإيقاف السيارات وتفتيشها، في محاولة لمنع دخول طالبي اللجوء من ألمانيا إلى هولندا.

وسائل الإعلام الهولندية وثقت هذه الوقائع عبر فيديوهات، بينما سارعت الشرطة الهولندية والألمانية إلى تفريق المتجمهرين ومنع تكرار الواقعة مساء اليوم التالي.

التحركات الفردية قوبلت بإدانة رسمية من السلطات الهولندية. حيث دعا وزير الهجرة المؤقت، ديفيد فان ويل، المواطنين إلى عدم التصرف خارج القانون، مشددًا على أن حماية الحدود مسؤولية حصرية لأجهزة الدولة.

وقال في تصريحات صحفية: “الضغط الشعبي مفهوم، لكن التعامل مع ملف اللجوء يجب أن يتم ضمن الإطار المؤسسي وليس عبر مبادرات فردية”.

ورغم نفي السلطات وجود نوايا لتصعيد أمني واسع، إلا أن الحادثة تُمثل إنذارًا مبكرًا لمخاطر انتشار هذا النمط من التحركات في دول أوروبية أخرى.

في النمسا، لا يختلف المشهد كثيرًا على مستوى الخطاب العام. إذ يُعد ملف الهجرة أحد المحاور الأساسية في النقاشات السياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.

أحزاب مثل حزب الحرية النمساوي (FPÖ) تبني جزءًا كبيرًا من خطابها على رفض الهجرة والمطالبة بإغلاق الحدود وتشديد قوانين اللجوء.

لكن وعلى الرغم من هذا المناخ، تؤكد الدولة النمساوية، بجميع مؤسساتها، أن إدارة الحدود ومراقبة تدفقات اللاجئين هي مسؤولية الدولة وحدها، وأي تحرك فردي من المواطنين بهذا الصدد يُعد خرقًا واضحًا للقانون، ويستوجب التدخل الفوري من الشرطة.

حتى الآن، لم تُسجّل حالات مشابهة لما وقع في هولندا، إلا أن الأجواء المحتقنة تتطلب يقظة مؤسساتية لمنع أي تجاوزات مستقبلية.

إن تصاعد الضغوط المرتبطة بملف اللجوء، سواء لأسباب أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، أمر لا يمكن إنكاره. لكن المعالجة الفعّالة لهذه القضايا لا تكون أبدًا عبر تجاوز القانون، بل من خلال السياسات العامة، والعمل البرلماني، ومراقبة الأداء الحكومي عبر الآليات الديمقراطية.

أي محاولة لتحويل الغضب الشعبي إلى أداة “ميدانية” خارجة عن الدولة، تهدد الاستقرار، وتفتح الباب أمام سيناريوهات لا يمكن السيطرة عليها لاحقًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى