كل كبدٍ رطبةٍ أجر: رسالة الرحمة في هجير الأيام
بقلم: انتصار الحسين
في زحام الحياة، حين تثقل القلوب بالهموم وتزداد حرارة الأيام،
تمر أمامنا مشاهد صغيرة تختبر إنسانيتنا في صمت. قطة تبحث عن ظل في زاوية جدار،
طائر يقترب من نافذتك بحثًا عن قطرة ماء، دابة ترنو إليك برجاء في ظهيرة حارّة.
هذه التفاصيل العابرة ليست مجرد صور عابرة، بل رسائل خفية توقظ فينا الرحمة،
وتعيد إلى أرواحنا معنى العطاء الذي يسمو فوق كل تعب.
كم هو جميل أن نسرق من زحمة الوقت لحظة، فنمد يدنا بالماء أو الطعام لمخلوق ضعيف، فنشعر أن الرحمة ليست مجرد كلمة،
بل فعل ينساب من القلب إلى الواقع. في عالم يزداد فيه الجفاف،
تظل الرحمة نبعًا لا ينضب، تروي ظمأ الأرواح قبل الأكباد.
كم هو عظيم أن تضع وعاء ماء على عتبة دارك، أو تترك فتات خبز لطائر جائع،
أو تفتح نافذة قلبك لمن لا صوت لهم في هذا العالم.
آل البيت عليهم السلام جسّدوا هذه الروح الرحيمة في حياتهم.
فقد كان الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، كما رُوي أيضًا عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام،
إذا مرّ على طائر في قفص أو دابة في ضيق، يرق قلبه ويقول لأصحابه:
“أما علمتم أن لله خلقًا يرزقهم الله على أيديكم، فإذا أنتم منعتموهم ذلك عذبكم الله يوم القيامة.”
هكذا تتجلى المسؤولية والرحمة في أبهى صورها، حين يكون الإنسان رفيقًا بكل حي،
ويشعر أن رعاية المخلوقات الضعيفة أمانة بين يديه.
كل قطرة ماء تسقي بها كبدًا عطشى، وكل ظل تمنحه لمخلوق ضعيف، هو امتداد لنور النبوة ،
وصدقة جارية تروي صحراء القسوة في هذا العالم.
ويزداد المعنى عمقًا حين نستحضر وعد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
“ما من مسلم سقى مسلمًا شربة من ماء إلا أعطاه الله عز وجل يوم القيامة ملكًا من ملوك الجنة،
وما من أحد يسقي كلبًا أو دابةً إلا أعطاه الله عز وجل يوم القيامة ملكًا من ملوك الجنة.”
وتكتمل الصورة حين يهمس في القلب قوله صلى الله عليه وآله:
“في كل كبدٍ رطبةٍ أجر.”
لنجعل من الرحمة زادًا يوميًا، ومن العطاء عادة لا تنقطع.
ولنخصص بعضًا من وقتنا لنروي حيوانًا عطشانًا أو نطعم طائرًا جائعًا،
فربما كانت تلك اللحظة الصغيرة مفتاحًا لرحمة واسعة تحيط بنا وتفتح لنا أبواب الخير في الدنيا والآخرة.