العنوان: الرجولة الهشة: حين تتحول النواقص إلى سلاح نفسي ضد النساء
بقلم الاعلامية أمنية المنياوي (Omnia El Minyawi)
في عالم يضع الذكورة على قاعدة هشة من السيطرة والانكار،
تصبح المرأة المستقلة هدفًا سهلاً لمشاعر لم تُحلّ، ولن تُحلّ، طالما يتم التعامل مع الرجولة كهوية مهددة يجب حمايتها بالعنف أو الإهانة.
هذا ليس خطابًا انفعاليًا،
بل قراءة علمية لسلوكيات ذكورية يومية تتخذ من التلاعب النفسي وسيلةً لإخفاء النقص،
والهروب من المسؤولية، وإسقاط العجز الداخلي على المرأة.
سلوكيات ضحلة… مموهة بالرجولة
كم من مرة وُصفت امرأة بأنها “قوية زيادة عن اللزوم”، أو “مش مناسبة للجواز”،
أو “عندها مشاكل في شخصيتها”، فقط لأنها رفضت الخضوع، أو عبرت عن معاييرها بوضوح،
أو تصدت للإهانة بصوت عالٍ؟
هذه ليست تقييمات موضوعية، بل ردود أفعال دفاعية من رجال يعانون من تهديدات داخلية لهويتهم الذكورية، كما أثبتت دراسة Bosson وآخرين (2005)،
والتي وجدت أن مجرد الإشارة إلى ضعف الأداء “الرجولي”
يدفع بعض الرجال إلى سلوكيات تعويضية عدوانية في محاولة لتأكيد رجولتهم.
المرأة كمرآة للضعف غير المعترف به
الرجال الذين يهاجمون المرأة لا يكرهونها بالضرورة،
بل يكرهون ما يفضحه وجودها: المرآة.
المرأة القوية تفضح هشاشة تكوينهم النفسي، لأنهم لم يتعلموا أن الرجولة لا تعني السيطرة،
بل المسؤولية. لم يُربوا على أن الشجاعة الحقيقية تبدأ من الداخل، من مواجهة الذات، وليس من فرضها على الآخرين.
وفقًا لـ Michael Kimmel،
الرجولة في المجتمعات الذكورية التقليدية تُبنى على الخوف: الخوف من الفشل، من الرفض،
من التقييم، من النساء. لذلك، عندما ترفض المرأة أن تكون أداة لإثبات رجولتهم،
يهاجمونها بكل ما أوتوا من أدوات الإهانة والإقصاء.
الهروب من الألم عبر السيطرة
كما يشير Sapolsky (2017)، فإن مناطق في الدماغ تُفَعّل عندما يشعر الإنسان بالتهديد،
ويقود ذلك إلى استجابات عدوانية. لكن في المجتمعات الذكورية، لا يُسمح للرجال بقول “أنا موجوع”،
فيلجأون بدلاً من ذلك إلى قول “أنتِ السبب”، ثم يرمون كل فشلهم على النساء.
هم لا يريدون زوجة، بل مرآة مصقولة تمجدهم. لا يريدون شريكة، بل نسخة مكررة من أمهم،
تلعب دور المُسَكِّن الأبدي لهروبهم من مسؤولية أنفسهم.
الهشاشة المتجذرة في اللاوعي الجمعي
يشير Ronald Levant إلى أن “الذكورة التقليدية” لا تسمح بالمرونة أو التعدد في التعبير، ما يؤدي إلى ما يُعرف بـ”توتر الدور الجندري”.
وهذه التوترات لا تظل حبيسة الذهن، بل تتحول إلى سلوك اجتماعي مُوجَّه: لوم، تحقير، سيطرة، وإسقاط.
وعندما تقف المرأة في وجه هذه السلوكيات، تُتهم بأنها “مش مناسبة”،
لأنها ببساطة رفضت أن تكون ضحية في مسرحية رجل لا يزال يبحث عن نفسه من خلال إقصاء الآخر.
خاتمة: هذه ليست رجولة… هذه آلية دفاع
ما يُمارَس ضد المرأة باسم الرجولة، ليس رجولة. بل هو هروب مزمن من مواجهة الذات، مغلف بتقاليد بالية وخطاب أجوف عن “المرأة الصالحة”.
إذا كانت الرجولة الحقيقية تعني القدرة على العطاء، الحماية، والشجاعة الأخلاقية،
فإن كثيرًا مما نراه اليوم هو مجرد تكرار هشّ لرجال لم يُسمح لهم أن يكونوا بشرًا أولًا. وما أكثر ضحايا هذا الهروب النفسي، من النساء والأطفال والمجتمع.
إن أول طريق للتحرر من الهشاشة الذكورية يبدأ من اعتراف الرجل أنه ليس مهددًا بالمرأة…
بل مهدد بما لا يستطيع إصلاحه في نفسه.
المراجع
Bosson, J. K., et al. (2005). Precarious manhood and displays of physical aggression. Personality and Social Psychology Bulletin.
Butler, J. (1990). Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. Routledge.
Eisler, R. M., & Skidmore, J. R. (1987). Masculine gender role stress. Behavior Modification.
Kimmel, M. (1994). Masculinity as Homophobia.
Levant, R. F. (2007). The New Psychology of Men.
Sapolsky, R. M. (2017). Behave. Penguin Press.
Willer, R., et al. (2019). Overdoing gender. American Journal of Sociology.