قصة بطولة سيف عوض في حرب أكتوبر 1973
حسن رمضان حسن عيسى يكتب..
منذ أسابيع، شاركناكم قصة البطل فتحي إسماعيل عبد السلام محمد شيحه من فيديمين، الذي غادر زوجته بعد عشرة أيام فقط من زواجهما ليدافع عن مصر واستشهد فداءً لوطننا الغالي في حرب أكتوبر 1973. ولمن لم يقرأ القصة بتفاصيلها التاريخية الهامة، تجدون رابطها في التعليقات الأولى أسفل هذه المقالة، بعد قصة بطلنا اليوم سيف عوض عوض الكشاك. أهلاً بكم في صفحة فيديمين اليوم، صفحتكم التي تجمع بين الروائع، التاريخ، والإبداع.
نروي لكم اليوم قصة بطل فيديمين، **سيف عوض عوض الكشاك**، كما رواها لي شقيقه المهندس مجدي عوض عوض الكشاك في منزله.
كان سيف مواطنًا مصريًا مسيحيًا، تبدو على ملامحه القمحية الطيبة أمارات الحزن. كان شابًا مقبلاً على الحياة، قد اختار شريكة دربه للتو، وتملأه السعادة بالآمال والأحلام، متمنيًا أن يفسح له الكون طريقًا أرحب من السماء وأكثر إشراقًا من وهج الشمس.
في تلك الفترة، كانت مصر ترتدي عباءة الحداد السوداء، حزينة على احتلال سيناء. وقفت مصر كمرأة تبحث عن حليها المسروق، تناشد أبناءها استعادة ما سُلب منها. كانت فترة عصيبة في تاريخها، بدت فيها مصر هزيلة وضعيفة، ووجهها شاحب تجاعيده لم تُفلح المساحيق في إخفائها. كانت مرهقة تتقبل العزاء وحدها في مهانة وانكسار، تتلقى العزاء للمرة المليون في أبنائها، بينما العالم يراقب بصمت.
التحق سيف بالخدمة العسكرية كأي شاب مصري. حمل السلاح وتدرب، والتقط زملاؤه له صورًا تذكارية عديدة (تجدونها في أول التعليقات المرفقة).
دقت طبول الحرب في الثانية ظهر يوم **6 أكتوبر 1973**. نادى قائد الكتيبة على البطل سيف ورفاقه: “يا رجال… مهمتنا صعبة ولا يوجد بديل. قد نستشهد جميعًا. الأوامر جاءت بتدمير فوج العقيد الإسرائيلي عساف ياجوري. ليس لدينا خيار آخر. جهزوا أنفسكم، وانتظروا الأوامر.”
في لقائه الأخير مع الحياة، وقف البطل سيف ممسكًا بحزام ناسف يلفه حول خصره النحيل، وفقًا للأوامر. بدأ العد التنازلي للحياة الدنيا. خاطبهم القائد: “يا رجال… ربما تكون هذه آخر لحظاتنا. أنتم أبطال، ومصر تستاهل.”
بدأ الأبطال في تنفيذ مهمتهم، وكانت اللحظة الأولى هي العملية الانتحارية باستخدام الأحزمة الناسفة التي كان يرتديها سيف ورفاقه. انفجار ضخم ومروع نسف فوج العقيد الإسرائيلي المحنك عساف ياجوري. عندها، لفظ البطل سيف أنفاسه الأخيرة على رمال الصحراء، ناظرًا إلى السماء، مودعًا الأرض الوداع الأخير.
وقع القائد الإسرائيلي عساف ياجوري في أسر الجيش المصري. انتصرت مصر، واستعادت حليها المفقود بسواعد أبنائها الأبطال. أبى سيف أن يموت حلم مصر على حافة الآلام والأحزان، وعزّ عليه أن تفارق روحه الحياة قبل أن يولد هذا الحلم الكبير، وأن ينكسر قبل أن ترفع مصر رأسها وترى النور وتنعم بشمسه الوضيئة.
لأول مرة منذ زمن بعيد، رست السفن المصرية على شاطئ الانتصارات بدماء أبنائها الأبطال، وتجرعت إسرائيل مرارة الهزيمة وأوجاع الإخفاق.
انتهت المعركة، ولم تكن أسرة البطل سيف تعلم شيئًا عن مصير ابنها الذي روت دماؤه أرض مصر الحبيبة. رن جرس هاتف المنزل باستمرار (مكالمة ترانك)، فاستشعر والد البطل سيف بعاطفة الأبوة شيئًا ما يدور في فؤاده.
ودار هذا الحوار التاريخي:
– “ألو… مساء الخير”
– “أيوه يا ابني مساء النور”
– “منزل سيف عوض عوض الكشاك؟”
– وبشفاه مرتعشة: “أيوه يا ابني… ابني ماله؟ طمني عليه…”
– “ابنك كان بطل يا أبو سيف… عاش بطل ومات بطل… ابنك شهيد… أنت لازم تفخر بأن ابنك منح مصر هو وكل شهداء أكتوبر النصر…”
– “ابني سيف؟… سيادتك متأكد إنه هو؟”
– “أنت مش لازم تحزن أبدًا… ابنك شهيد… لازم تكون فخور بكده… سيف ابنك نسف أخطر فوج إسرائيلي… ولو احتجتوا أي شيء احنا تحت أمركم.”
اختلطت لدى الأب مشاعر فرحة النصر بمشاعر فقدان فلذة كبده سيف، الذي كان على بعد خطوة واحدة من الزواج بخطيبته.
تلقى والده اتصالاً آخر من محافظ الفيوم:
– “مساء الخير… منزل البطل سيف عوض عوض الكشاك؟”
– “أيوه… مين معايا؟”
– “أنا محافظ الفيوم… سيادتك والد البطل سيف؟”
– “أيوه أنا…”
– “طيب يا والدي احنا بنبشرك إننا عاوزين نطلق اسم البطل سيف على أكبر شارع في الفيوم لأنه شرف محافظة الفيوم كلها.”
– “أنا مش عاوز حاجة… ابني ضحى علشان مصر… ومصر انتصرت… وربنا يرحم ابني سيف… ومتشكرين لحضراتكم.”
مرت السنوات مرور السحاب. رحل الأبطال بعد أن ضحوا بأنفسهم في سبيل وطنهم. وفي نهاية الثمانينيات، تم تمثيل مسرحية على خشبة مسرح قصر ثقافة الفيوم تكريمًا لهذا البطل (سيف عوض عوض الكشاك). وكان أحد أبطال هذا العرض المسرحي الأستاذ مجدي محروس (موجه النشاط المسرحي بالتربية والتعليم).
تحية إلى البطل سيف ورفاقه الأحرار… تحية يخطها قلبي قبل قلمي، وتسطرها مشاعري قبل مدادي. تحية أرسلها لأرواحهم الزكية، لعلها تصل إليهم عبر المحيطات والبحار، عبر السماء والأمطار، عبر الجبال والوديان.
هؤلاء الشرفاء… الذين علمونا أن من مات في سبيل بلاده لم يمت… وأن الحرية أغلى من الحياة.
أرقام الهاتف:
01281375755
01099763637
https://www.facebook.com/fidimeenToday
https://www.facebook.com/fidimeenalyoum/



