الملحمة الوطنية والشرطة النسائية
بقلم
محمد ابراهيم الشقيفي
بعد أن صارت المباديء العامة محرفة، و الصدور خاوية من الصبر مجوفة ، و القلوب السوداء لا تحترم آدمية، من يسكن ربوع الكون ، ولا مناص من بقاء العالم، بمعزل عن بقع الإجرام، إلا بإيجاد منظومة متكاملة الحماية، تسد ثغرة الفراغ ، غايتها الحفاظ على إستقرار الوطن، من عبث الإجرام، ومن أجل حماية الحقوق ومنع المفاسد ، وارتكاب الأفعال المريبة، إلا أن إرساء قواعد العقاب، و تفعيل تطبيق توقيع الجزاء، أمر يخضع إلى ضوابط محكمة، حتي لا ينفلت زمام الحماية، من اليد القابضة ، وفى ظل مبدأ المساواة، بين الرجل والمرأة ، ونزول الأنثى إلى سوق العمل، و منافستها الرجل ، وإظهار قدرتها على العطاء ، زاد العبء على عاتق، من يملك أدوات الردع ، ومن ثم ظهر إلى جانب الشرطي النظامي، القائم على حفظ السلام ، شرطية تواكب تطورات الأحداث، لتحمي النساء المعرضة للانتهاكات والخطر ، خاصةً فى ظل التلاعب بأحلام الإنسانية ، كأحد فروع الإتجار بالبشر .
ولحماية النظام العام، وضع العالم آليات للحماية ، فكانت النظرة الفكرية للمجتمع عند( اوغست) أنه مركب حى و معقد، وأن مبدأ التعاون، هو الذي يهيمن ويسيطر، على هذه الوحدة الحية، ولا سيما استنبط العقل، علاقة الإنسانيات المختلفة بالجهاز الشرطي، المنوط به تطبيق وإنفاذ القانون، بمعاقبة المخالف أو منع وقوع الجريمة، قبل دخولها حيز التنفيذ، ولقد ميز رجل الأمن عند عامة الناس ، فى عهد الخليفة عبدالملك بن مروان ، بوضع شريط من القماش فى اليد فوق الثوب ، لكي يتمكن رجل الأمن ، من القيام بمهامه السامية ،التي من خلالها يسود جو الألفة المحاط بالتسامح.
إن سلامة المواطن، بلا شك كان الهدف الأسمى، من تشريع الدولة المصرية، لقانون الشرطة رقم ١٠٧ لسنة ١٩٧١، ومن ثم إدخال التعديلات عليه ، ليواكب متطلبات الحياة الأمنية، ووضع سياسات عامة لرصد الجرائم، وإحالة المتهمين للمحاكمة ، وبناء عقيدة أولية، أن رجال الشرطة ليسوا أداة قمع للحريات ، كما حرف البعض المرادف لحال رجل يحمل الفأس، ليكسب من وراء جهده لقمة العيش ، وأطلق فى العصر الحديث تفسيراً مختلف المراد لكلمة (بلطجي )، ففمهنا أنها نواة الإرهاب بلا شك ، واستخدام للقوة والعنف، ونسينا أن حراس الدرك فى عهد العثمانيين ، اهتموا بالأمن ، وأن (المدجاي) فى العصور الوسطى ، كانت مهنتهم حماية المناجم وضبط الأسواق.
إلا أن تزايد معدلات التضخم الإجرامي، وانزال العقاب طبقاً لصحيح القانون، تطلب وجود عنصر نسائى، بما يضمن إحترام المرأة ، أثناء الضبط أو التفتيش ، ومن هنا جاءت الشرطة المتخصصة التي تباشر صلاحيتها، برئاسة وزير الداخلية . ووجود العنصر الشرطي فى مصر ، ليس أمر مستحدث بل عرفه القطر المصري منذ زمن (عمرو بن العاص) المؤسس الفعلي للشرطة فى العالم لما ولى إمارة مصر ، وأطلق إسم (صاحب الشرطة) على رجل الأمن.
ولكنني الآن بصدد إعداد إطار ،بورتريه شرطي لإحدى الشرطيات المصريات، المؤثرات فى هذا المجال ، خاصة بعد اهتمام القيادة السياسية، بتمكين المرأة فى المشاركة الأصلية بكل القطاعات. إنها اللواء شرطة الدكتور (هبه الإمام أحمد أبو العمايم)، ممثل المجلس العربي الأفريقي للتكامل والتنمية للأمم المتحدة فرع جينيف ، والتي عملت فى حقبة زمنية ، كمستشاراً لوزير التضامن الإجتماعي للرقابة والتفتيش ، وللرعاية الإجتماعية ،وكما سبق ذكره أن العنصر النسائي الشرطي، أصبح وجوده ضرورة لاغني عنها، لأجل حماية حقوق المرأة، من الانتهاكات قبل أن إنزال الجزاء ، و إن كانت الإمارات العربية المتحدة، لها تجربة نسوية فى المجال الشرطي، وأطلق على السيدة (تفاحة سالم) لقب أول شرطية فى العالم العربي ، إلا أن مصر قادة هذه الدفة الشرطية بتقنية الانضباط ، عبر بنات الأكابر أمثال هبه أبو العمايم ، التي شفت يوماً بالعمل في مجال الإعلام و العلاقات بمكتب وزير الداخلية ،وتعد أول ضابطة فى الشرطة المصرية ، تحصل على درجة الدكتوراه في (علم الإجتماع) عام ١٩٩٧ بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، تحت عنوان ( إدمان المخدرات وأثره على السلوك الإجرامي بين الشباب في المجتمع المصري وكيف يتحول المدمن إلى مجرم )، نحن أمام قامة علمية وأم مثالية بالزي الشرطي، إلا أنها رغم مسؤوليتها الملقاة على عاتقها اهتمت بشؤون حياتها الشخصية ، وأثمرت بإنجاب قامة قضائية المستشار (أحمد طارق رأفت)بالنيابة العامة ، ثم أضاء القدر لها شمعة أخري ، واستنارت بابنها الثاني (كريم طارق رأفت) المعيد بالأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا بكلية الهندسة القسم المدني ، وهما أبناء عائلة شرطية، ووالدها لواء شرطة طارق رأفت ، يعمل مساعدا لوزير الداخلية، وصاحب مسيرة مهنية مشرفة ، زاخرة بالرقي المهني. انتهجت هبه أبو العمايم، مبدأ المصداقية والدقة المهنية، اهتمت رئيس قسم المعلومات بالإدارة العامة لحماية الآداب، بمجالات حقوق الإنسان ، قامت بلا منافس بتدريس مادة الإتجار بالبشر ، بأكاديمية الشرطة ،ولم تكن ضيف الشرف بالمؤتمر الدولي (الرؤية الملكية للمرأة الرقمية بالمملكة الأردنية الهاشمية)، مجرد ضابطة تقوم بواجبها العادي، المتمثل في حفظ الأمن العام، بل عاشت الشرطية الإستثنائية حياتها، مابين التدريب والتثقيف الوقائي ، مثلت بكفاءة وفعالية عالية، وزارة الداخلية المصرية ، فى اللجنة العليا للأسر البديلة، بوزارة التضامن الإجتماعي فضلا عن التمثيل المشرف المجلس القومي للطفولة والأمومة.
و بما أن الساحة الأمنية تعج ، بالكثير من الرائدات الشرطية فى العالم ، أمثال (أليس ستيبينز) بالولايات المتحدة الأمريكية الضابطة المؤرخة ، ولا سيما فى العصر الحديث ، لكن مصر فى هذا العهد تحتل صدارة المشهد الشرطي النسائي، بعد أن تمخض الرحم الأمني، بمن ينتفض لأجل مبادئ المواطنة، رسخت (منسق وزارة الداخلية بالبرنامج القومي لحماية أطفال بلا مأوى) الكثير من المبادئ، التى عالجت من خلالها القصور البين، فى مجالات عدة تتعلق بحماية الأمن، فقامت بتدريس (إستراتيجية الحماية والتأهيل وإعادة الدمج للأطفال بلا مأوى لفرقة الأزمات بمعهد القادة لضباط الشرطة برئاسة الأكاديمية) ، بل نزلت للواقع العملي ، و أطلقت بالشراكة مع أبناؤها من الأيتام مبادرة (دوري أبناء مصر، لكرة القدم على مستوى الجمهورية، لكافة دور الرعاية الإجتماعية، لمدة ثلاثة أعوام على التوالي، لوزارة التضامن الإجتماعي ، لاختيار الأبناء المتميزين، في لعبة كرة القدم، لعمل فريق أبناء مصر، في لعبة كرة القدم بوزارة التضامن الإجتماعي).
إنها صاحبة الذكاء الشرطي الحاد ، حتي فى اختياراتها العلمية ، و كانت صاحبة إكتشاف أكبر قضايا المخالفات، فى دور الرعاية والفئات المهمشة ، والتي اختارت تجربة المرأة فى عالم الإدمان ، عنواناً لرسالة الماجستير ، بعدما رأت بحسها الأمني ، الصلة الوثيقة بين الإدمان و عالم الجريمة .
اللواء دكتور هبه أبو العمايم نفذت باقتدار على أرض الواقع ورشة عمل تدريبية (حول تعزيز قدرات ضابط إنفاذ القانون على مكافحة الإتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين بمكتب الأمم المتحدة، المعني بالمخدرات والجريمة ) ، بعدها نجحت ضمن (ثماني فتيات) تم اختيارهم من بين ثلاثة آلاف متقدمة، للدخول إلى بوابة كلية الشرطة، وحققت بنت الشهيد المبتغي من وراء القصد، أن تكون ضمن عيون مصر الساهرة لحراسة الأمن القومي.
اهتمت أبو العمايم بترسيخ الوعي بالقيم الإنسانية ومحاربة فساد العنصرية، وتوفير جو صحي وأمن لدور الأيتام والمسنين، ثم مضت فى دربها ،عضو هيئة التحكيم بمسابقة الحلم الذهبي، لمؤسسة البيت العراقي للإبداع بالعراق ، على خطي أصحاب الذوق الرفيع ، و انتهجت مدير إدارة التفتيش، ومسؤول المؤسسات الإيداعية بقطاع الأمن الإجتماعي، مبدأ إنقاذ العدالة، وإسقاط الأمان على مخاوف النفس، من بطش البؤر الإجرامية، وربما قد أهلها ذلك إلى اختيارها لتتوج ضمن (أفضل مائة شخصية عربية، على مستوى الوطن العربي فى المجال البحثي).
وإيماناً بدور الشرطة فى خدمة المجتمع، الذي كفله الدستور المصري فى مادته ٢٠٦، مما جعلها وجها مشرقاً يليق بكفالة الأمن للمواطنين.
لقد دعتنا ضرورة الإبداع ، إلى إسقاط الضوء ، على الشرطة الأخلاقية ، والتي أطلق عليها فى دولة الهند ، (جماعات اليقظة )والتي أرادت فرض مدونة أخلاقية على المجتمع ، إلا أن مصر لها الصدارة فى المعركة الملحمية، التي جسدت فيها البطولة المطلقة( بمعركة الإسماعيلية) بتاريخ ١٩٥٢/١/٢٥ والتي رفض فيها، ضباط وجنود الشرطة المصرية البواسل ،تسليم أسلحتهم ،وترك محل خدمتهم ، وتسليم مقر القسم للمحتل ، وكان فى هذا العمق بعد استشهاد الكثير منهم ، الاعتراف الاحتلالي الصريح ، بصلابة القوة وعزيمة الشرطة المصرية، وسطر العدو بكل جرأة ،للتاريخ شهادة حق ، بمقولة شهيرة (للجنرال اكسهام )، بعدما عجز عن إخفاء مشاعر الإعجاب بتلك البطولة ، وأفصح بذلك الأمر ، محدثاً المقدم شريف العبد، ضابط الإتصال آنذاك (لقد قاتل رجال الشرطة المصرية بشرف)، ومن ثم جاء تكريم الدولة ، تضامنا مع هذا النصر ، ليبقي هذا الحدث فى وجدان المجتمع عيد للشرطة المصرية يحتفي به الوطن داخل حدود القطر المصري.
ومن المسلمات البديهية، أن تهتم الدول بالجانب الحقوقي والأخلاقي معا ، ولقد شهدنا هذا الضوء المشرق، فى اتجاه وزارة الداخلية، نحو التنسيق الدائم مع المجالس المتخصصة ، المهتمة بحقوق الإنسان ، من أجل التعاون لبناء الأفكار الريادية، وهدم العدائيات داخل النفوس المريضة.
وجدير بالقول مع الإستشهاد ، بذكر أبرز رائدات الشرطة في العالم مثل (إديث سميث) فى بريطانيا ، أو (مارى أوينز) فى شيكاغو عام ١٨٩١، أن نسطر فوق رؤوس مؤلفاتنا ، سيرة شرطية لسيدة، ارتوى ظمأها بماء النيل (اللواء دكتور شرطة هبه أبو العمايم)، عضو لجنة هيكلة تأهيل المعاقين، و صاحبة المشاركة الفعالة ، فى احتفالية الدمج بين المؤسسات ، وتجهيز فتيات دار الأيتام ، هى كما يقال عنها ( بنت شهيد مصر) ولا فخر ، الحاصلة على( ليسانس الآداب قسم علم الإجتماع عام ١٩٨٨) ، إنها الحلم المضيء رغم قطع الليل ، الذي راود الأم البسيطة، التي أرادت من خلالها أن تستكمل رحلة التألق ، امتداد لمسيرة الأب، و حصدت على أثر ذلك ، اللواء هبه أبو العمايم إحدى وعشرين نوط ، ونالت وسام التفوق والتميز، ثم كرمت بفضل جهودها غير المعتادة من ( الجمعية المصرية للصداقة بين الشعوب والتعاون مع المركز الأكاديمي التنموي ) ، واستضافتها القنوات المصرية و العربية، على غرار خطاها التي طرحت بين أغصان التحدي هذه القدوة شرطية .
وإن تعددت المحاسن وذكرنا، (مشاركتها فى تدريب الكوادر الأمنية من الدول الأفريقية ضابط وضابطات) ، كان الاحري بنا والقول صدق، انبهار العقل برئيس لجنة تقييم الجمعيات الأهلية الشريكة، فى متابعة الأسر البديلة، على مستوى الجمهورية، صاحبة الرؤية المحورية، والعمل الدؤوب فى مجالات التوعية ، والتي نالت فى مجال القيادة الأمنية، الدورات التدريبية، ومن ثم شهادة التقدير، من قطاع حقوق الإنسان والمرأة والطفل بوزارة العدل ، وعلى صعيد متصل، استهدفت نشاط الدورات التدريبية( تحليل وتصميم وانشاء النظم )، فضلاً عن فرقة رعاية الأحداث عام ٢٠٠١ .
و لم يقتصر دور الشرطة المصرية، كما يزعم البعض، على إجراء التحقيقات الأولية ، بعد ارتكاب الجريمة تباعاً ، ولا على حفظ الأمن قط، بل امتدت يداها بدورها الفعال ، عبر أبناؤها لتشمل آليات منع الجريمة قبل حدوثها ، لكن مهمتها غير الهينة ، جاءت عبر ثقة قياداتها فى الوزارة فشهد لها أثناء الخدمة الطويلة بوزارة الداخلية القاصي والداني ، بعد أن أدخلت طفرة كبيرة على كل القطاعات.
لقد اهتمت اللواء دكتور شرطة هبه أبو العمايم، بقضايا الأطفال بلا مأوى، والفئات الأولى بالرعاية، ولا سيما نسقت تلك الشرطية، المتوجه بلقب الدكتوراه الفخرية ، في مجال حقوق الإنسان ، وعضو اللجنة الوطنية لكلا من الغارميين والغارمات، المبادرات المعنية بهذا الأمر، مع مشيخة الأزهر الشريف، والكنيسة المصرية ، لزيارة أبناء مؤسسات الرعاية الإجتماعية ودور الأيتام (مسلمين و أقباط) فكانت صاحبة السبق في العطاء من غير ملل، و دون عجل كما أبرزت منسق وزارة التضامن ، مع صندوق تحيا مصر، الكثير من حل المعضلات .
و نظل مع صاحبة الرؤية نستعرض ، بشغف الحديث عن سفيراً داعماً للقضايا المجتمعية ، ووحدة التماسك الوطني، ونتاج لهذا الصدى، اقدام تحالف الأحزاب المصرية ، على تكريم الشرطة النسائية ، كخطوة يفوح من ثنايها العطر ، و يعد ذلك التتويج بمثابة إظهار الوجه الآخر ، لجمال الملحمة الوطنية فى العصر الملكي ، و التي تتكرر اليوم مع بناء الجمهورية الجديدة فى العصر الحديث.