آلة الإتيان بالأفكارفي عصر من عصور الزمان إختفت الأفكار و دفنت كما تدفن الجثث في الرمال و ساد الجهل و إنتشر الغباء و الإستسهال
توقف العقل عن التفكير و توقف الإنسان عن التعمير
و في ذاك العصر مَلَكَ الإنسان تلال من المال و رغم ذلك شعر بالحزن و سوء الحال
لم يدرك الناس في ذاك الزمان ما اللذي ينقصهم فلديهم كل ما قد يخطر على بال
فعرض سلطان ذاك الزمان مكافأة على كل من يأتي بفكرة ليس لها مَثيل
و بدأ الناس يفكرون حتى يجنوا مكافأة السلطان
و لكنهم صدموا و إعتقدوا بأنهم نسوا كيف يفكرون
و في ذاك الزمان وُجِدَ ثلاث من الشبان و كانوا مختلفين عن أهل ذاك الزمان فكان لديهم حسن إستخدام العقل و الفكر و الوجدان
نُبِذ هؤلاء الشبان لأن قومهم كغيرهم من الأقوام يكروهون المختلف عنهم
عَلِمَ هؤلاء الشبان بمسابقة السلطان و قرروا أن يأتوا بفكره و لكن ليس من أجل المال بل من أجل تحسين الحال و نشر الفكر و الثقافة و تعليم الناس التأمل
و وَجَدَ الشبان فكره لم يسبق لها بمثيل و هي آلة تأتي بالفكرة في الحال
وعندما عرضوها على الناس إتهموهم بالإحتيال
و عندما علم السلطان طلب لقاء الشبان
فذهب الشبان و عرضوا عليه آله الإتيان بالأفكار
فطلب السلطان حضور إنسان زَعم أنه لم يفكر منذ عَقد كامل و طلب من الشبان أن يعلموه إستخدام آلة الإتيان بالأفكار
فقال أحد الشبان معلماً ذاك الإنسان
«عليك بالبقاء مع الآلة في غرفة لخمس أيام و ستنهال عليك الأفكار بالإتيان»
و بالفعل تم وضع الإنسان في تلك الغرفة و التي كانت تطل على البحر و الرمال ووضعوا معه كل مستلزمات الحياة التي تكفى لأكثر من خمس أيام
فجلس الإنسان و هو يقول في نفسه «ما أغبى هؤلاء الشبان»
و دون أن يشعر بدأ في التأمل في ذلك الجمال الذي تطل عليه تلك الغرفه
و تمر الخمسة أيام و يخرج الإنسان من معتقل الإتيان بالأفكار و هو يقول«كذب الشبان و لم تعمل آلة الإتيان بالأفكار»
فطلب منه الشبان أن يتكلم بالحجه و البرهان
فأجاب بحكمه لم يعهده السلطان بها «مولاي السلطان إن آلة الإتيان بالأفكار ما هي إلا صندوق فارغ فكيف له أن يأتي بالأفكار و أنا الإنسان لم أستطع الإتيان»
فأجاب السلطان«صدق الإنسان و كذب الشبان»
ليرد الشبان«لقد تكلم الإنسان بالحجة و البرهان و هو ما لم يعهده السلطان و هذا يعني أنه فكر من أجل أن يغلبنا نحن الشبان و لكن مولاي السلطان لقد صدقت فنحن كذبنا فما من آلة للإتيان بالأفكار فالله فطر الإنسان على التفكير دون إعداد أو تخطيط»
بقلم
/د. يمني عبد الحميد